كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ه‍- ذكر جمع من المؤرخين أن ذا القرنين أحد التبابعة الاذواء اليمنيين من ملوك حمير باليمن كالاصمعي في تاريخ العرب قبل الإسلام، وابن هشام في السيرة والتيجان وأبى ريحان البيرونى في الاثار الباقية ونشوان بن سعيد الحميرى في شمس العلوم- على ما نقل عنهم- وغيرهم.
وقد اختلفوا في اسمه فقيل اسمه مصعب بن عبد الله، وقيل: صعب بن ذي المرائد وهو أول التبابعة، وهو الذي حكم لابراهيم في بئر السبع، وقيل: تبع الاقرن واسمه حسان، وذكر الاصمعي أنه أسعد الكامل الرابع من التبابعة بن حسان الاقرن ملكي كرب تبع الثاني ابن الملك تبع الأول، وقيل: اسمه شمر يرعش.
وقد ورد ذكر ذي القرنين والافتخار به في عدة من أشعار الحميريين وبعض شعراء الجاهلية ففي البداية والنهاية: أنشد ابن هشام للاعشى:
والصعب ذو القرنين أصبح ثاويا ** بالجنو في جدث أشم مقيما

وقد مر في البحث الروائي السابق أن عثمان بن أبي الحاضر أنشد لابن عباس قول بعض الحميريين:
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ** ملكا تدين له الملوك وتحشد

بلغ المشارق والمغارب يبتغي ** أسباب أمر من حكيم مرشد

كانت مملكة اليمن ينقسم إلى اربعة وثمانين مخلافا، والمخلاف بمنزلة القضاء والمديرية في العرف الحاضر، وكل مخلاف يشتمل على عدة قلاع يسمى كل قلعة قصرا أو محفدا يسكنه جماعة من الأمة يحكم فيهم كبير لهم، وكان صاحب القصر الذي يتولى أمره يسمى بذي كذي غمدان وذي معين أي صاحب غمدان وصاحب معين والجمع أذواء وذوين، والذي يتولى أمر المحلاف يسمى القيل والجمع أقيال، والذي يتولى أمر مجموع المخاليف يسمى الملك: والملك الذي يضم حضر موت والشحر إلى اليمين ويحكم في الثلاث يسمى تبع اما إذا ملك اليمن فقط فملك وليس بتبع.
وقد عثر على أسماء خمس وخمسين من الأذواء لكن الملوك منهم ثمانية اذواء هم من ملوك حمير وهم من ملوك الدولة الاخيرة من الدول الحاكمة في قبل، وقد عد منهم أربعة عشر ملكا، والذي يتحصل من تاريخ ملوك اليمن من طريق والرواية مبهم جدا لا اعتماد على تفاصيله.
فرأى مغيب الشمس عند غروبها ** في عين ذي خلب وثأط حرم

قال المقريزى في الخطط: إعلم أن التحقيق عند علماء الاخبار أن ذا القرنين الذي ذكره الله في كتابه العزيز فقال: ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شئ سببا الآيات عربي قد كثر ذكره في أشعار العرب.
وان اسمه الصعب بن ذي مرائد بن الحارث الرائش ابن الهمال ذي سدد بن عاد ذي منح بن عار الملطاط بن سكسك بن وائل بن حمير بن سبا بن يشجب بن يعرب ابن قحطان بن هود بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام.
وأنه ملك من ملوك حمير وهم العرب العاربة، ويقال لهم أيضا العرب العرباء، وكان ذو القرنين تبعا متوجا، ولما ولي الملك تجبر ثم تواضع لله، واجتمع بالخضر وقد غلط من ظن أن الاسكندر بن فيلبس هو ذو القرنين الذي بنى السد فإن لفظة ذو عربيه، وذو القرنين من القاب العرب ملوك اليمن، وذاك رومي يوناني.
قال أبو جعفر الطبري: وكان الخضر في ايام افريدون الملك بن الضحاك في قول عامه علماء أهل الكتاب الأول، وقيل: موسى بن عمران عليه السلام، وقيل: إنه كان على مقدمة ذي القرنين الاكبر الذي كان على أيام إبراهيم الخليل عليه السلام وان الخضر بلغ مع ذي القرنين أيام مسيره في البلاد نهر الحياة فشرب من مائه وهو لا يعلم به ذو القرنين ولا من معه فخلد وهو حي عندهم إلى الان، وقال آخرون إن ذا القرنين الذي كان على عهد إبراهيم الخليل عليه السلام هو أفريدون بن الضحاك وعلى مقدمته كان الخضر.
وقال ابو محمد عبد الملك بن هشام في كتاب التيجان في معرفة ملوك الزمان بعد ما ذكر نسب ذي القرنين الذي ذكرناه: وكان تبعا متوجا لما ولي الملك تجبر ثم تواضع واجتمع بالخضر ببيت المقدس، وسار معه مشارق الأرض ومغاربها واوتي من كل شئ سببا كما اخبر الله تعالى، وبنى السد على يأجوج ومأجوج ومات بالعراق.
وأما الاسكندر فإنه يونانى، ويعرف بالاسكندر المجدونى ويقال المقدوني سئل ابن عباس عن ذي القرنين: ممن كان؟ فقال: من حمير وهو الصعب بن ذي مرائد الذي مكنه الله في الأرض وآتاه من كل شئ سببا فبلغ قرنى الشمس ورأس الأرض وبنى السد على يأجوج ومأجوج.
قيل له: فالاسكندر؟ قال: كان رجلا صالحا روميا حكيما بنى على البحر في أفريقية منارا، وأخذ أرض رومة، وأتى بحر العرب، وأكثر عمل الاثار في العرب من المصانع والمدن.
وسئل كعب الاحبار عن ذي القرنين فقال: الصحيح عندنا من أحبارنا وأسلافنا أنه من حمير وأنه الصعب بن ذي مرائد، والاسكندر كان رجلا من يونان من ولد عيصو بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، ورجال الاسكندر أدركوا المسيح بن مريم منهم جالينوس وأرسطاطاليس.
وقال الهمداني في كتاب الانساب وولد كهلان بن سبا زيدا فولد، زيد عريبا ومالكا وغالبا وعميكرب، وقال الهيثم: عميكرب بن سبا أخو حمير وكهلان فولد عميكرب أبا مالك فدرحا ومهيليل ابني عميكرب، وولد غالب جنادة بن غالب وقد ملك بعد مهيليل بن عميكرب بن سبا، وولد عريب عمرا فولد عمرو زيدا والهميسع ويكنى أبا الصعب وهو ذو القرنين الأول، وهو المساح والبناء، وفيه يقول النعمان ابن بشير.
فمن ذا يعادونا من الناس معشرا * * كراما فذو القرنين منا وحاتم.
وفيه يقول الحارثي:
سموا لنا واحدا منكم فنعرفه ** في الجاهلية لاسم الملك محتملا

كالتبعين وذي القرنين يقبله ** أهل الحجى فأحق القول ما قبلا

وفيه يقول ابن أبي ذئب الخزائي:
ومنا الذي بالخافقين تغربا ** واصعد في كل البلاد وصوبا

فقد نال قرن الشمس شرقا ومغربا ** وفي ردم يأجوج بنى ثم نصبا

وهذا لا يوافق ما قطع به التاريخ أنه ملك 356- 324 ق م.
وذلك ذو القرنين تفخر حمير ** بعسكر فيل ليس يحصى فيحسبا

قال الهمداني: وعلماء همدان تقول ذو القرنين الصعب بن مالك بن الحارث الأعلى ابن ربيعة بن الحيار بن مالك وف ذي القرنين أقاويل كثيرة انتهى كلام المقريزى وهو كلام جامع، ويستفاد منه أولا أن لقب ذي القرنين تسمى به أكثر من واحد من ملوك حمير وأن هناك ذا القرنين الأول الكبير وغيره.
وثانيا: أن ذا القرنين الأول وهو الذي بنى سد يأجوج ومأجوج قبل الاسكندر المقدونى بقرون كثيرة سواء كان معاصرا للخليل عليه السلام أو بعده كما هو مقتضى ما نقله ابن هشام من ملاقاته الخضر ببيت المقدس المبني بعد إبراهيم بعدة قرون في زمن داود وسليمان عليهما السلام فهو على أي حال قبله مع ما في تاريخ ملوك حمير من الابهام.
ويبقى الكلام على ما ذكره واختاره من جهتين: أحدهما: أنه أين موضع هذا السد الذي بناه تبع الحميري؟.
وثانيهما: أنه من هم هذه الأمة المفسدة في الأرض التي بنى السد لصدهم فهل هذا السد أحد الاسداد المبنية في اليمن أو ما والاها كسد مأرب وغيره فهي أسداد مبنية لادخار المياه للشرب والسقي لا للصد على أنها لم يعمل فيها زبر الحديد والقطر كما ذكره الله في كتابه، أو غيرها؟ وهل كان هناك أمة مفسده مهاجمة، وليس فيما يجاورهم إلا أمثال القبط والاشور وكلدان وغيرهم وهم أهل حضارة ومدنية.
وذكر بعض أجلة المحققين من معاصرينا في تأييد هذا القول ما محصله: أن ذا القرنين المذكور في القرآن قبل الإسكندر المقدوني بمآت من السنين فليس هو هو بل هو أحد الملوك الصالحين من التبابعة الاذواء من ملوك اليمن، وكان من شيمة طائفه منهم التسمى بذي كذى همدان وذي غمدان وذي المنار وذي الاذعار وذي يزن وغيرهم.
وكان مسلما موحدا وعادلا حسن السيرة وقويا ذا هيبة وشوكه سار في جيش كثيف نحو المغرب فاستولى على مصر وما وراءها ثم لم يزل يسير على سواحل البحر الأبيض حتى بلغ ساحل المحيط الغربي فوجد الشمس تغيب في عين حمئة أو حامية.
ثم رجع سائرا نحو المشرق وبنى في مسيره أفريقية.
وكان شديد الولع وذا خبرة في البناء والعمارة ولم يزل يسير حتى مر بشبه جزيرة وبراري آسيا الوسطى وبلغ تركستان وحائط الصين ووجد هناك قوما لم يجعل الله لهم من دون الشمس سترا.
ثم مال إلى الجانب الشمالي حتى بلغ مدار السرطان، ولعله الذي شاع في الالسن أنه دخل الظلمات، فسأله أهل تلك البلاد أن يبني لهم سدا يصد عنهم يأجوج ومأجوج لما أن اليمنيين- وذو القرنين منهم- كانوا معروفين بعمل السد والخبرة فيه فبنى لهم السد.
فإن كان هذا السد هو الحائط الكبير الحائل بين الصين ومنغوليا فقد كان ذلك ترميما منه لمواضع تهدمت من الحائط بمرور الايام وإلا فأصل الحائط إنما بناه بعض ملوك الصين قبل ذلك، وإن كان سدا آخر غير الحائط فلا إشكال.
ومما بناه ذو القرنين واسمه الاصلي شمر يرعش في تلك النواحي مدينة سمرقند على ما قيل.
وأيد ذلك بأن كون ذي القرنين ملكا عربيا صالحا يسأل عنه الاعراب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويذكره القرآن الكريم للتذكر والاعتبار أقرب للقبول من أن يذكر قصة بعض ملوك الروم أو العجم أو الصين، وهم من الأمم البعيدة التي لم يكن للاعراب هوى في أن يسمعوا أخبارهم أو يعتبروا بآثارهم، ولذا لم يتعرض القرآن لشئ من أخبارهم. انتهى ملخصا.
والذي يبقى عليه أن كون حائط الصين هو سد ذي القرنين لا سبيل إليه فإن ذا القرنين قبل الاسكندر بعدة قرون على ما ذكره وقد بنى حائط الصين بعد الاسكندر بما يقرب من نصف قرن وأما غير الحائط الكبير ففي ناحية الشمال الغربي من الصين بعض أسداد اخر لكنها مبنية من الحجارة على ما يذكر لا أثر فيها من زبر الحديد والقطر.
وقال في تفسير الجواهر بعد ذكر مقدمة ملخصها أن المعروف من دول اليمن بمعونة من النقوش المكشوفة في خرائب اليمن ثلاث دول: دولة معين وعاصمتها قرناء وقد قدر العلماء أن آثار دولة معين تبتدئ من القرن الرابع عشر قبل الميلاد إلى القرن السابع أو الثامن قبله، وقد عثروا على بعض ملوك هذه الدولة وهم ستة وعشرون ملك مثل: أب يدع و أب يدع ينيع أي المنقد.
ودولة سبا وهم من القحطانيين كانوا أولا أذواء فأقيالا، والذى نبغ منهم سبا صاحب قصر صرواح شرقي صنعاء فاستولى على الجميع، ويبتدئ ملكهم من 850 ق م إلى 115 ق م والمعروف من ملوكهم سبعة وعشرون ملكا خمسة عشر منهم يسمى مكربا كالمكرب يثعمر والمكرب ذمر على واثنا عشرة منهم يسمى ملكا فقط كالملك ذرح والملك يريم أيمن.
ودولة الحميريين وهم طبقتان الأولى ملوك سبا وريدان من سنة 115 ق م إلى سنة 275 ق م وهؤلاء ملوك فقط، والطبقة الثانية ملوك سبأ وريدان وحضر موت وغيرها، وهؤلاء أربعة عشر ملكا أكثرهم تبابعه أولهم شمر يرعش وثانيهم ذو القرنين وثالثهم عمرو زوج بلقيس ونتهي إلي ذي جدن ويبتدئ ملكهم من سنة 275 م إلى سنة 525.
ثم قال: فقد ظهرت صلة الاتصاف بلقب ذي بملوك اليمن ولا نجد في غيرهم كملوك الروم مثلا من يلقب بذي فذو القرنين من ملوك اليمن، وقد تقدم من ملوكهم من يسمي بذي القرنين، ولكن هل هذا هو ذو القرنين المذكور في القرآن؟ نحن نقول: كلا لأن هذا مذكور في ملوك قريبي العهد منا جدا، ولم ينقل ذلك عنهم اللهم إلا في روايات ذكرها القصاصون في التاريخ مثل أن شمر يرعش وصل إلى بلاد العراق وفارس وخراسان والصغد وبنى مدينة سمرقند وأصله شمر كند، وأن أسعد أبو كرب غزا آذربيجان، وبعث حسانا ابنه إلى الصغد، وابنه يعفر إلى الروم، وابن أخيه إلى الفرس، وأن من الحميريين من بقوا في الصين لهذا العهد بعد غزو ذلك الملك لها.
وكذب ابن خلدون وغيره هذه الاخبار، ووسموها بأنها مبالغ فيها ونقضوها بأدلة جغرافية وأخرى تاريخية.
إذن يكون ذو القرنين من أمة العرب ولكنه في تاريخ قديم قبل التاريخ المعروف. انتهى ملخصا.
و- وقيل: إن ذا القرنين هو كورش أحد ملوك الفرس الهخامنشيين (539- 560 ق م) وهو الذي أسس الامبراطورية الايرانية، وجمع بين مملكتي الفارس وماد، وسخر بابل وأذن في رجوع اليهود من بابل إلى اورشليم وساعد في بناء الهيكل وسخر مصر ثم اجتاز إلى يونان فغلبهم وبلغ المغرب ثم سار إلى أقاصي المعمورة في المشرق.
ذكر بعض من قارب عصرنا ثم بذل الجهد في إيضاحه وتقريبه بعض محققي الهند في هذه الاواخر بيان ذلك إجمالا أن الذي ذكره القرآن من وصف ذي القرنين منطبق على هذا الملك العظيم فقد كان مؤمنا بالله بدين التوحيد عادلا في رعيته سائرا بالرأفة والرفق والاحسان سائسا لاهل الظلم والعدوان، وقد آتاه الله من كل شئ سببا فجمع بين الدين والعقل وفضائل الاخلاق والعدة والقوة والثروة والشوكة ومطاوعة الأسباب.
وقد سار كما ذكره الله في كتابه مره نحو المغرب حتى استولى علي ليديا وحواليها ثم سار ثانيا نحو المشرق حتى بلغ مطلع الشمس ووجد عنده قوما بدويين همجيين يسكنون في البراري ثم بنى السد وهو على ما يدل عليه الشواهد السد المعمول في مضيق داريال بين جبال قفقاز بقرب مدينة تفليس هذا إجمال الكلام ودونك التفصيل.
ايمانه بالله واليوم الاخر: يدل على ذلك ما في كتب العهد العتيق ككتاب عزرا (الاصحاح 1) وكتاب دانيال (الاصحاح 6) وكتاب أشعياء (الاصحاح 44 و45) من تجليله وتقديسه حتى سماه في كتاب الاشعياء راعي الرب وقال في الاصحاح الخامس والاربعين: هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أمسكت بيمينه لادوس أمامه امما وأحقاء ملوك أحل لا فتح أمامه المصراعين والابواب لا تغلق.